(في تعاون بين جريدة سيرما نيوز وسفيرة التراث الجزائري “نوال القاضي” برنامج تراثي يخص عادات الجزائريين في شهر رمضان)

عند الحديث عن معنى الكرم وتربية الأبناء على المكارم, معنى الضيافة عند دخوله الزائر بيوتنا وحلوله ضيفا علينا نستذكر الشخصية التاريخية “حاتم الطائي” الذي كان مولده وزمانه قبل بعثة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي احترمه كثيرا وشاهد على ذلك عند أسر إبنته قال الرسول الكريم أكرموها فإن أباها كان كريما ,كرم أهلها وفك أسرها.
كل شيئ زائل, المال, الطعام و كل ما يملك الإنسان, لكن يبقى الصيت والسمعة الطيبة راسخين في الأذهان ويشاد بها من جد إلى والد وإبن يتغنى بها كل من قصد صحن البيت في مجالسه.
نستحضر النبي إبراهيم عليه السلام وتفضيل الله له بصفة الخليل لشدة كرمه وجوده, قيل أنه لم يأكل طعاما لوحده قط حتى باتت مدينة الخليل بدعواته المدينة التي لا يجوع فيها أحد.
الكرم يحدث بالفطرة ويزداد وقارا بالتربية, مفتوحة مشرعة على مصرعيها بيوت الجزائريين, تشم منها عبق رائحة القهوة والشاي المنعنع, عندما تخطو أول خطوة إليها, وتدنو منها ستنتبه لروائح الأطباق التقليدية الطواجين, الحلويات وغيرها التي تعد وتحضر للضيف من أول وهلة يحل فيها. تلقين وتعليم الأبناء والأحفاد أصول الضيافة وإستقبال الضيف على الطريقة الجزائرية الشعبية التراثية العتيقة, الأمر الذي ما فتئ الأجداد يتوارثونه جيلا بعد جيل لشدة قدسيته في حياة الجزائري.
( … حي الرجال لي ليهم فعل الطيب أهل الكرم والجود والشهامة …)
- “حق ربي … وين ربي … ضياف ربي”
مصطلحات في اللهجة الشعبية الجزائرية, يقصد بها معنى خاص في المطبخ الجزائري, حيث من عادات ربة البيت الجزائرية إضافة كميات طعام زيادة مقارنة بعدد أفراد البيت فلا تطبخ السيدة حسب أفراد العائلة, تحسبا لضيف يقدم بزيارة مفاجئة أوقات الطعام, غداء كان أم عشاء حتى “قهوة لعشية” فتكون حصته حاضرة دون لبكة أو حرج, يكرم بها ليشارك أهل البيت نفس الزاد والمائدة.
في العادات الجزائرية عندما تهم صاحبة البيت إكرام ضيفها لا تعلمه لحظة تحضير الطعام و تقديمه, هذه الصفة مكروهة وإنما تحضره في صمت وتدخل به على أهل الغرفة (الضيوف), في هذا الباب نستحضر قوله تعالى واصفا نبيه الخليل: “فراغ إلى أهله فجأة بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون” مفردة “راغ” تعكس عظمة صفة الجود ومراعاة إحساس الضيف إضافة إلى الإبتعاد تماما وكليا عن جرحه أو تحسيسه بثقله أو إزعاجه من أهل البيت, المقصود ب”راغ” إنسل دون إحداث نية لدى الطرف الأخر, لا يريد النبي عليه السلام أن يشعر ضيفه أنه سيكلف نفسه, فإنسل في خفية حتى لا ينتبه ويلتفت إليه أحد أو يدركه.
الضيافة الجزائرية فن تتعلمه المرأة و الرجل على حد سواء لا فرق بينهما, وسط أجواء مليئة بالود والترحيب, كلها حفاوة وحميمية يستقبل الضيف في البيت الجزائري, بتعابير خاصة ( … ضياف ربي, الدار دارك. زارتنا بركة … ) عبارات تزيد الضيف احتراما فيستقبل في ( … الخيمة الكبيرة, الدار الكبيرة أو بيت الضيافة … ) هي ألقاب للبيت الكريم في اللهجة الجزائرية.
الضيافة في الجزائر هي العطاء بأصوله, عطاء حرارة الترحيب والإبتسامة المشعة بمشاعر الود, في كل التفاصيل وأدقها قولا وفعلا, من أول خطوة وعند فتح الأبواب صاحب البيت أو الدار بنفسه يستقبل الوافد بشتى الطرق معبرا عن سروره بهذه الزيارة.
في هذه اللحظة ولا يزال الزائر يخطو خطوته الأولى يؤتى بطبق خاص “الصينية” أو “الصني” الخاصة لهذه اللحظة, تتكون من صحن التمر الجزائري بمختلف أنواعه وأشهرها دقلة نور الجزائرية, الحليب الممزوج بماء الزهر والمرش المعبى بماء الزهر أو الورد و البخور.
يدخل الضيف غرفة الضيافة أين يستقبل الضيوف التي هي مخصصة لهذا الأمر, منظمة, مجهزة ومغلوقة احتسابا لزيارات الأهل والأحباب المفاجئة, فلهم حصة في قطع البيت كأنهم فرد منه, يتربع الضيف على “القعدة التقليدية الجزايرية” المعبقة برائحة البخور والورود متكئا على “الشورا” تكون الأفرشة على “الزرابي” أو “الحصاير” مبسوطة على الأرض فلا أسرة أو كراسي في القعدة التقليدية الأصيلة, تختلف القعدة وأفرشتها من منطقة إلى أخرى, من الأمازيغية بأنواعها كالتارقي, القبائلي, المزابي, الشاوي وغيرهم, القعدة النايلي, التلمساني والوهراني في الغرب الجزائري, والعاصمي والقسنطيني في الشرق وما أكثر التنوع وثراه, كلها مصممة بشكل وطرز خاص حتى الأواني فمنها الفخاري, النحاسي والسيراميك, أول ما يتواجد في غرفة الضيافة من أواني ” الشلال”, هو مغسل تقليدي يحضر للضيف لغسل اليدين قبل تناول الطعام إما يكون بالفضة أو النحاس. يكرم الضيف بالقهوة, الشاي , العصائر التقليدية المصنوعة في البيت أو العصرية, شتى أنواع الحلويات وما أكثر الخيارات لتنوع الوصفات الجزائرية من مالح ومحلى.
عند وقت الغذاء أو العشاء تحضر الأطباق التقليدية والطواجن, للعلم أطباق الأكل هي أطقم خاصة للضيف مثل “طبسي عشيوات” هو صحن نحاسي كبير الحجم بغطاء خاص, من المميزات أيضا مناديل قماشية لتنظيف الأيدي,مصمم ومزين بالطرز يظهر بأبهى حلة فالمنديل الورقي غير موجود على الموائد الجزائرية خصوصا للضيف. تكون المائدة بأبهى حلة,الأكل بكميات معتبرة دون تبذير لأن عادات الجزائريين “العين تاكل قبل الفم” ,يتم الإنتباه بكل التفاصيل و أدقها إحتراما للضيف.
إكرام الضيف له صور متعددة في التراث الجزائري, فيكرم الضيف الكبير المتقدم في السن بشكل خاص إمرأة كانت أم رجلا, تمنح له هدية كزجاجة عطر, قطعة قمااش للتفصيل,”جبة” بالعامية الجزائرية أو فستان, نعل مطرز, تخضيب أطرافه اليدين والقدمين بالحناء للتزيين بالنسبة للنسوة ويكون مكانه على رأس المائدة إكراما له وسنه, حتى الصغار, الأطفال وحديثي الولادة, حين يحل مولود ضيفا في زيارته الأولى يكرم بورقة نقدية, قطع السكر أو قالب السكر, “صابونة” مع “المشوار” أو المنديل المطرز باليد هو قطعة تقليدية يعزها البيت الجزائري كثيرا, كل هذه الطقوس والعادات تختلف حسب مقدور أهل البيت.

العادات لا تقتصر على المضيف فقط وإنما على الضيف أيضا, فضمن عادات الجزائريين في كل بقاع الجزائر حين يلبي الضيف عزومة أو يزور أهله يحوز هدايا, تقليد مهم ورئيسي, تختلف هذه العادة حسب المناسبة, الزيارة وإستطاعة الضيف, الهدايا تحوي أطعمة ذات مذاق حلو تعكس حلاوة العشرة مثل الحلويات بأنواعها مثل الحلقومة, خبز محنشة, القطايف … . , أطباق العجائن التقليدية, كالشخشوخة, التريدة, الكسكسي , إضافة إلى السكر ففي معتقدات الشعب الجزائري أنه رمز للسلام ببياضه, ماح للضغائن ومقر للعلاقات بحلاوته.
- هناك نقاط سهلة , بسيطة وسريعة في متناول الجميع مثل الإستقبال بالتمر والحليب, إحياء تقليد “المرش” لأنه في أغلب البيوت الجزائرية لا يزال موجودا كقطعة أثرية.
- تحضير الصينية لأي زيارة غير مبرمجة .
- بيت الضيافة التقليدي, رمز القعدة التراثية الباهية العاكسة لرقي تراث الجزائر.
- إحياء عادة “الشلال” لغسل الأيدي الذي يمرر على الضيوف يكون نحاسي أحمر, أصفر, أو نحاس فضي, ترفع الأغطية عن الصحون التقليدية وإنتظار المباشرة من الضيف إكراما له.
- تختلف الأطباق حسب المناسبة والمنطقة حتى ذوق الضيف يؤخذ بالإعتبار, فالتنوع وفير بوفرة الخيارات من شوربة , طواجن, بوراك, مقبلات, رقاق, والطبق الرئيسي “طاجين لحلو” رمز بحلاوته لمحبة الضيف في أول يوم زيارته وأخرها إن أقام لمدة مع أهل البيت زيادة على اللبن أو الحليب عاكسا صفاء النوايا والزيارة الطيبة.
- صينية القهوة أو الشاي “للتقصيرة” أو “القصرة” مزينة “الله الله” بالطقم الخاص مرفوقة بالحلويات مع الفواكه المرشوشة بالقرفة, الحلقومة وغيرها, وتوزع الأطباق على طاولات صغيرة الحجم تسمى “سكمبلات” مصممة بأشكال فاتنة تقرب للضيف في حالة شساعة غرفة الضيافة.
- أخيرا رش الأيادي بالمرش المملوء بماء الورد أو الزهر.
الاعلامية”نوال القاضي”
الصحفية ايمان بوزار
مواضيع نوال القاضي تحفة وطريقة طرحها روعة خاصة هذا والله تعاون ناجح وياريت تكثروا من تعاونات مع شخصيات هاكدا مش التفاهات لي راهي فالإعلام تع دروك